ما علاقة فارس سعيد بصواريخ القسّام؟
حتى تاريخه لم ينجح الرئيس المكلّف سعد الحريري بتقديم تشكيلة حكومية تحظى برضى الأطراف اللّبنانية ورعاتها الخارجيين، وغبطة بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق يطالب بحياد لبنان حتى بحّ صوته، وحاملي شعار “لبنان أولاً” خارت قواهم من شدة التعب، ومنظّري “نزع سلاح المقاومة” ضاقت بهم السبل وتراودهم أفكار سوداوية من قبيل الانتحار والموت على قارعة القهر، والإعلام المأجور يخترع “الترندات” لتغطية “العورات” والخيبات، في حين وحده “الأمر الواقع” متصالح مع نفسه ويبرز بصدق الحقائق كما هي.
في رواية لبنانية شهيرة منذ عهد الرئيس اللّبناني الراحل كميل شمعون (1952 – 1958) أنّه في العام 1955 دخل عليه أحد مستشاريه مستعجلاً مهموماً ليعلمه بأمرٍ خطير “فخامة الرئيس وصلنا خبر مؤكد من دوائر القرار في واشنطن يقول بأنه لدى الإدارة الأميركية توجهاً بالسير قدماً بمشروع تقسيم لبنان وتحويله إلى كانتونات طائفية، علينا التنبه وأن نتحضر لكيفية الرد على مثل هكذا قرار أو مشروع”، فضحك الرئيس شمعون وأجاب بهدوء “هل الخبر مؤكد؟ “نعم مؤكد نقلاً عن فلان وفلان”، فرد الرئيس “وماذا قالوا وخططوا للعراق؟”. فأجاب المستشار بعدم معرفته بـ”أي شيء عن العراق” وما هو السبب والرابط؟. فكان جواب الرئيس حاسماً قاطعاً “لا يمكن تغيير خريطة لبنان طالما العراق موحد وغير ذلك كلام ونظريات لا تنطبق على أرض الواقع”.
في القراءة اليوم يصح استذكار كلام الرئيس كميل شمعون انطلاقاً من ترابط وتزامن الأزمات وتوحد مصائر شعب هذه الجغرافيا المسماة “المشرق العربي” أو “سوريا الطبيعية”، وقد يقول البعض أن استقلال هذه الأوطان قد أصبح حقيقة موجودة ومسألة التشكيلات وتركيبات الحكم فيها تبقى شأناً داخلياً محضاً، لكنّ الواقع يبقى على قاعدة ترابط الجغرافيا وتشابك مصائر الناس أقوى وأفعل على الأرض. وليس من قبيل الترف الفكري أن ترتبط كلّ الاستحقاقات اللّبنانية بالمنطقة، فلا يستغربن أحد إن “تأخرت الحكومة لكشف مصير معارك اليمن، وحسم سوريا ومخاض العراق ونتائج انتخابات أميركا وطبعاً تحديد مستقبل ومصير فلسطين. ولبنان أكبر دليل، فمنذ قرنين من الزمن يصعب إحصاء أزماته، برغم صغر مساحته وعدد سكانه، لكن الأزمات هي البلد، ولا يُعرف لبنان إلا بمصائبه.
هي تركيبة المستعمر- المستثمر التاريخية في استيلاد التناقضات من قلب التركيبة نفسها، وهي لعنة التاريخ والتناقضات الاقليمية والدولية، وهي لعنة الموقع الجغرافي، وهي لعنة بلائه بطبقة متكاملة لا نقيض بينها إلّا لحظة تقاسم الجبنة، رغم قلّتها وندرتها، وهي لعنة القلق الدائم وعدم الاستقرار وطلب معونة الخارج الأجنبي دوماً كي تبقى له مواطئ أقدام وأبواب متاحة للعب في الداخل متى شاء، وأن العُقد الداخلية تبقى هامشية رغم أهميتها، وبناءً على التجارب السابقة يتبيّن أنّ كلّ القوى المحليّة تسارع لتغيير مواقفها مجرد أن تهبّ العواصف من الخارج.
مع أحداث فلسطين الأخيرة يبدو مشهد ترابط المنطقة أكثر شدّة وتعقيداً، فهل تحمل قوى المقاومة مشروع التغيير الحقيقي في بنية النظام وطبيعة العلاقة مع الواقع والمحيط؟ هل يقتنع منظّرو “الحياد” بالجغرافيا والتاريخ وينزلون عن شجرة الأمنيات الخائبة وتدفيع الناس ثمن المشاريع الوهمية؟.
بكل الأحوال، التغيير اليوم تقوده بضعة صواريخ شلعت خرائط الحدود وهزمت عنجهية الاستعمار وأسقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر ومرغت أنفه بالإسفلت، لكن من يُقنع فيلسوف “سيدة الجبل” المعاصر وكاريكاتور مواقع التواصل الاجتماعي أن زمانه قد ولّى؟.
عامر ملاعب